الأحداث العظام في شهر الصيام


كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان شهر رمضان -هذا الشهر المبارك- ميدانـًا لأحداث هي من أعظم الأحداث التي مرت في تاريخ الأمة، بل في تاريخ البشرية؛ فيه ولد العالم من جديد، وولدت الأرض ولادة جديدة، يوم أن وقع فيها أعظم حدث على ظهرها؛ ففي رمضان قبل الهجرة بثلاثة عشر عامًا سعد هذا الكوكب الأرضي بأروع لحظة من لحظات حياته، وشهد أعظم حادث وقع على ظهره، فكان هذا الحادث فرقانـًا في تاريخ البشرية كلها، وإيذانـًا بمولد عالم جديد؛ يوم أن تفضل الإله العظيم -سبحانه وتعالى- الجليل مالك الملك على هذا الكوكب الأرضي الصغير، وخصه بإكرامه؛ فاختار من بين الخليقة محمدًا -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون رسوله إلى أهل الأرض جميعًا، يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويخرجهم من الظلمات إلى النور -بإذن الله تعالى-، ويسلك بهم صراط العزيز الحميد.

في هذا اليوم الأغر المحجل... كان نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).

وفي السنة الثانية من الهجرة المباركة في السابع عشر من رمضان: كان يوم الفرقان، يوم أول لقاء بين كتيبة الإسلام المؤمنة بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكتيبة الكفر بقيادة فرعون الأمة "أبي جهل"، وفيها تنزل نصر الله -تعالى- على الفئة المؤمنة في غزوة بدر أول الغزوات الكبرى وأعظمها في تاريخ الإسلام، الغزوة التي بعدها تغير التاريخ لصالح المسلمين، وفيها طويت أكبر راية من رايات الجاهلية السود، وهوى أضخم صنم من أصنام الشرك في جزيرة العرب؛ قتل فرعون الأمة وأكبر طاغية عرفته جزيرة العرب "أبو جهل"، وغـُيب مع غيره من صناديد الكفر في جوف "قليب بدر" السحيق.

وفي السنة الثالثة من الهجرة، وفي رمضان: عبأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشًا في المدينة؛ لصد عدوان المشركين الذين كانوا يستعدون للثأر لقتلاهم في بدر.

وفي السنة الخامسة من الهجرة: كان استعداد النبي -صلى الله عليه وسلم-لغزوة الخندق التي كانت في شوال من هذه السنة على أصح القولين، وكان من الاستعدادات حفر الخندق الذي استغرق شهرًا كما يقول ابن القيم -رحمه الله-.

وفي رمضان من السنة السادسة من الهجرة: كانت سرية غالب بن عبد الله لقتال بني عبد الله بن ثعلبة بعد أن أعلنوا عداوتهم للمسلمين، فانتصر وغنم.

وفي العشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة: كان الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته من أيدي المشركين، الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا؛ إنه فتح مكة، وفيه حَطمت أيدي المؤمنين الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية، بعد أن تحطمت قيمتها ومكانتها في القلوب.

وفي رمضان سنة تسع للهجرة: قرت عين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلام "ثقيف" بعد إباء عنيد، ونفور جامح دام عشرين عامًا.

وفي رمضان من نفس السنة: كانت عودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزة تبوك المظفرة.

وفي رمضان من السنة الثالثة عشر للهجرة: كانت وقعة "البويب" بين المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة -رضي الله عنه-، والفرس بقيادة "مهران"، كانت معركة رهيبة قتل فيها من الفرس قرابة المائة ألف، وقتل أيضًا من سادات المسلمين بشرٌ كثير، وذلت لهذه الموقعة رقاب الفرس، وتمكن الصحابة -رضي الله عنهم- من الغارات في بلادهم فيما بين الفرات ودجلة، وغنموا شيئًا عظيمًا لا يمكن حصره.

وفي رمضان من العام الثالث والخمسين للهجرة: افتتح المسلمون وعليهم جنادة بن أبي أمية جزيرة "رودس".

ولليلتين بقيتا من رمضان من العام الحادي والتسعين من الهجرة المباركة: كان فتح الأندلس، التي لقبت بعد ذلك بـ"درة التاج الإسلامي" على يد طارق بن زياد -رحمه الله-، بعد أن التقى جيشه الذي قوامه اثنا عشر ألفـًا بجيش "لذريق" ملك إسبانيا، الذي تعداده مائة ألف في وادي "لكه"، واتصلت الحرب بينهم إلى يوم الأحد لخمس خلون من شوال، وهزم الله المشركين، ونصر المسلمين نصرًا مؤزرًا.

وفي العام الثاني بعد المائة الأولى من الهجرة: كانت فتوح المسلمين في فرنسا على يد القائد الفذ "السمح بن مالك الخولاني"، والتي بدأت على يد "عبد العزيز بن موسى بن نصير"، وامتدت بعد "السمح بن مالك" على يد "عنبسة بن سُحيم الكلبي"، حتى وصل المسلمون إلى مدينة "سانس" عاصمة إقليم "يوند" على بعد ثلاثين كيلومتر فقط جنوب باريس.

وفي رمضان سنة مائتين وثلاث وعشرين: اقتحم "المعتصم بن الرشيد" حصون "عَمُّورية" في مائة وخمسين ألفـًا من جنوده، وفتح المدينة التي عزَّت على الفاتحين منذ عهد الإسكندر المقدوني، وتجهز المعتصم جهازًا لم يسبق لخليفة من خلفاء المسلمين أن تجهز مثله، وكانت "عمورية" عند الروم أشرف من "القسطنطينية"، وكانت روح النصرانية، والطريق المؤدية إلى القسطنطينية، وكانت وقعة عمورية غرة في جبين الدهر، ودرة في تاريخ الإسلام، وتاجًا زان مفرق المعتصم، وكان الفتح في نفس يوم بدر في السابع عشر من رمضان.

وفي الرابع عشر من رمضان 264هـ: سقطت سرقوسة من جزيرة صقلية على يد جعفر بن محمد، وكان سقوطها كارثة كبرى لبيزنطة وسياستها الحربية، فقد انهارت الجهود الجبارة التي بذلتها لسنوات طويلة لإعادة النفوذ البيزنطي على ساحل البحر الأدرياتي.

وفي 559هـ: كانت وقعة "حارم" بين نور الدين محمود والفرنجة؛ فكسرهم كسرة فظيعة، وأسر قادتهم، وقتل منهم عشرة آلاف وقيل: عشرين ألفـًا.

وفي 584هـ: كان فتح "الكرم وصفد"، وإنقاذهما من أيدي الفرنجة على يد صلاح الدين.

وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة ستمائة وثمان وخمسين للهجرة النبوية: شهد العالم الإسلامي يومًا من أيام الله -تعالى-، أعز الله فيه المسلمين من هوان، وقواهم من ضعف، وآمنهم من خوف، ونصرهم على عدو يفوقهم في العدة، ويزيد عليهم أضعافـًا مضاعفة في العدد.

وفي هذا اليوم الأغر كانت وقعة "عين جالوت" التي على إثرها اندحر خطر التتار، وزال تهديدهم للمسلمين، وكف الله شرهم عن البلاد والعباد.

وفي الرابع عشر من رمضان سنة ستمائة وست وستين: شهد تاريخ الإسلام يومًا من أعظم أيامه، وفتحًا من أجل فتوحه، وهو اليوم الذي حررت فيه مدينة "أنطاكية" من أيدي الصليبيين، على يد الملك البطل "الظاهر بيبرس" بعد أن كانت تلك المدينة -بعد أن استولى عليها الصليبيين- منطلقـًا لهم لحرب المسلمين، وطريقـًا إلى بيت المقدس، وشجًى في حلوق المسلمين، وبعد أن خضعت للصليبيين ما يقارب قرنين من الزمان.

وفي رمضان 673هـ: كان فتح "أرمينيا الصغرى"، وتحقيق نصر عظيم على "النصارى الأرمن" الذين كانوا عونـًا للحملات الصليبية والمغول ضد المسلمين، وكان ذلك على يد الظاهر بيبرس -رحمه الله-.

وفي رمضان 702هـ: كانت معركة "شقحب" أو معركة "مرج الصُّفـَّر"، وكانت مع المغول الذين حاولوا في عهد "قازان حفيد هولاكو" تحطيم سلطة المسلمين في مصر، واسترداد الأرض المقدسة وتسليمها للنصارى، وكان على قيادة المسلمين الخليفة "المستكفي بالله" والسلطان الناصر "محمد بن قلاوون الصالحي"، وهي المعركة التي شارك فيها شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله-، وكان له الجهد الكبير في شحذ همم المسلمين بمواعظه وكلماته وسيفه، ورد الشبهات التي كانت عند بعض المسلمين، وكانت الغلبة في البداية للمغول، وما جاء الليل حتى كان الظفر والنصر للمسلمين.

وفي عام 829هـ: كان فتح جزيرة "قبرص" واستردادها من أيدي الصليبيين على يد "المماليك".

وفي عام 791هـ: كان فتح "البوسنة والهرسك"، ومعركة "قوص أوه" أو "قوصرة"، وكانت معركة حاسمة بين المسلمين والصرب؛ انتصر المسلمين فيها انتصارًا عظيمًا بقيادة السلطان "مراد الأول العثماني"، وأخذ الإسلام ينتشر بعدها في تلك البقاع حتى تحولت مناطق كاملة إلى الإسلام كما هو الحال في البوسنة والهرسك، وكوسوفا، وغيرها.

وفي الخامس والعشرين من رمضان لعام تسعمائة وسبع وعشرين من الهجرة: كان فتح "بلجراد" عاصمة "المجر" على يد السلطان العثماني "سليمان القانوني".

وفي العاشر من رمضان 1393هـ:

أفاق المسلمون من وهم الولاء والمحاربة في سبيل دعاوى باطلة لأفكار وضعية وعنصرية وطنية مقيتة، ورفعوا راية العبودية بتكبير الله، وتمجيده، وتوحيده؛ فتنزلت منـَّة الله على عباده وجنده الموحدين في مصر بهزيمة اليهود، وعبور قناة السويس، وتحطيم خط بارليف، وأذل أولياءُ الله المسلمون أعداءَ الله اليهود في هذه الحرب؛ فالنصر حليف الإيمان والطاعة.

دارت على سيناء معركة الوغى فوق السهول وفي ربى وبـطاح

وكــتـائـب الإيـمـان تـهتـف كـلهـا "الـلـه أكـبـر" فـوق كـل سلاح

"الـلـه أكـبـر" زلـزلـت أركـانهم وكـأنـمـا يـشــدو بـها ابن ربـاح

ويا ليت الأمر استمر على ذلك ولم تعكر صفو هذا النصر تلك المحاولات الحثيثة لتشويه صورته، وتحويله في حس الناس إلى نصر قُطري وطني ضيق، يغرس في النفوس المعاني الجاهلية، ويفصل الناس عن الأسباب الحقيقية للنصر.

فاللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وصلِ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

من أخطائنا في رمضان

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فشهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادات والطاعات، والتقرب إلى الله -تعالى- بما يحب؛ لذا ينبغي على العبد فيه أن يكون في أفضل أحواله، وأن يُري الله -تعالى- منه كل خير ما استطاع؛ ولهذا فمن باب التناصح والتعاون على الخير، نذكر بعض الأخطاء والبدع التي تقع في رمضان، آملين أن يتجنبها الصائمون؛ ليسلم عملهم في رمضان منها، وهي متنوعة؛ منها: ما يتعلق بالاعتقادات والعبادات، ومنها: ما يتعلق بالأقوال والسلوكيات، وتختلف في أحكامها، فمنها: ما هو حرام، ومنها: ما هو مكروه، والمسلم في رحلته عبر الحياة -خاصة في رمضان- عليه أن يجتهد في السلامة من كل ذلك قل أو كثر، فمن ذلك:

- التساهل في الأخذ بالأحاديث الضعيفة -بل والموضوعة- ونشرها بين الناس؛ بدعوى الحثّ على الخير في شهر رمضان، فتتناقلها الألسن، وتـُلقى على الأسماع في الدروس الرمضانية والخطب، وتبليغ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعليمها للناس قربة وعبادة، ونسبة حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقله خطأ كبير؛ إذ يجب بينان ضعفه، أما الأحاديث الموضوعة فلا تذكر إلا ببيان أنها موضوعة، وفي الحديث المرفوع المتواتر: (مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (متفق عليه)؛ لذا وجب التثبت من كل حديث يُنسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويعلم للناس، وهل يليق بالصائم العابد أن ينسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله؟!

والعمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال عند القائلين بجوازه له ضوابط ينبغي التقيد بها فلتراجع، وأما في الأحكام والمعتقدات فلا.

وللأسف فهناك العشرات من الأحاديث الضعيفة والموضوعة يتداولها الناس بلا نكير في رمضان، فوجب التثبت والتحري، فمن أمثلة ذلك:

حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- المرفوع الطويل وفيه: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه... " الحديث، وهو مما يُلقى على المنابر، وتخصص له الدروس والمجالس في رمضان، وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: "871".

والحديث المرفوع: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، بيَّن بطلانه الحافظ "ابن رجب الحنبلي" في رسالته: "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب".

والحديث المرفوع: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي"، لا يصح كما بينه الحافظ في: "تبيين العجب".

وحديث: "صوموا تصحوا" ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: "253".

وحديث: "شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر"، ضعفه ابن الجوزي، وابن حجر، وهو في السلسة الضعيفة، وضعيف الجامع للألباني.

وحديث: "من اعتكف عشرًا في رمضان كان كحجتين وعمرتين"، حديث موضوع كما ذكر الألباني في السلسة الضعيفة والموضوعة برقم: "518"، وفي ضعيف الجامع الصغير، وضعيف الترغيب والترهيب.

وهذا باب واسع يجب التنبيه عليه والتحذير منه، وتوجيه العباد إلى ما صح من حديث وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومن الأخطاء: الغفلة عن تعويد الأولاد على الصيام من الصغر، وتعهد الأولاد وتدريبهم على العبادات الواجبة من الصغر مما أمر به الدين؛ خاصة "الصلاة، والصيام"، كما بيَّنه العلماء، فيؤمر الصبي بالصلاة لسبع سنين، ويضرب عليها لعشر، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ). قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. (متفق عليه).

فيغرس في الصغير حب الصيام، والتعود عليه بالترغيب في ثوابه، والثناء على الممتثل به مع إمكانية التدرج فيه خاصة مع طول النهار وشدة الحر، فهذا يصوم إلى ما بعد الظهر، وذاك إلى العصر حتى يصل به الأمر تدريجيًا إلى صيام اليوم كله بحسب القدرة.

وللأسف فإن أكثر المجاهرين بالفطر في رمضان من العصاة: إنما اعتاد الفطر من صغره، ولم يُدرب عليه، ويُسأل عنه فاستثقله.

ومن الأخطاء: الانشغال بالمبادرة إلى الطعام والشراب عند سماع أذان المغرب فلا يردد المرء الأذان مع المؤذن، وفي الحديث المرفوع في الصحيحين: (إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ) (متفق عليه)، فيضيع على الصائم ثواب الترديد، والكثيرون يتركون صلاة المغرب في المسجد في جماعة، في رمضان؛ بحجة تناول الإفطار، وهذا خلاف هديه -صلى الله عليه وسلم-، فيتناول الصائم ما يذهب عطشه، ويسد جوعه، ويصلي في جماعة المسجد، ويعود لبيته فيستكمل طعامه وشرابه، فينال ثواب الجماعة مع ما في ذلك من إراحة معدته، والتدرج بها على ألا يملأ معدته بالطعام فيثقل عليه قيام الليل، والاجتهاد بالعبادة فيه.

ومن الأخطاء: ترك الركعتين السنة البعدية بعد صلاة العشاء وهي سنة مؤكدة في رمضان وغيره، والكثيرون يصلون العشاء، ثم يقومون لصلاة التراويح فلا يصلوا ركعتي سنة ما بعد صلاة العشاء، ويغفلون عنها طوال شهر رمضان، مع مواظبتهم عليها في غير رمضان.

ومن الأخطاء في صلاة التراويح: حمل المأمومين للمصاحف ينظرون فيها متتبعين فيها ما يقرأ الإمام بهم في الصلاة، فيترك المصلي ما أمر به من وضع يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة، كما في الحديث عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-: (كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنـْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. (رواه البخاري)، وينشغل بحمل المصحف ووضعه، وتقليب صفحاته، والواجب عليه الاستماع والإنصات لقراءة الإمام، والانشغال بتدبر وفهم ما يسمع.

ومما يحتاج لتصحيحه قولهم: "رمضان كريم"؛ يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن هذه الكلمة: "حكم ذلك أن هذه الكلمة "رمضان كريم" غير صحيحة، وإنما يقال: "رمضان مبارك"، أو ما أشبه ذلك؛ لأن رمضان ليس هو الذي يُعطي حتى يكون كريمًا، وإنما الله هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهرًا فاضلاً، ووقتـًا لأداء ركن من أركان الإسلام" اهـ.

ومما يحتاج للتصحيح ما اعتاده الناس من طبع إمساكيات رمضان وفيه: تقاويم الشهر، وفيه توقيت للإمساك، ويجعل قبل أذان الفجر بنحو عشر دقائق أو ربع ساعة، والإمساك قبل الأذان بوقت هو زيادة على ما فرض الله -تعالى- على عباده، وفاعله متنطع، وفي الحديث المرفوع عن عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّ بِلاَلاً كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) (متفق عليه)، وهذا الحديث بيان للمراد بالخيط الأبيض من الخيط الأسود في قوله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة:187).

ومن الأخطاء الشائعة: تخفيف صلاة التراويح، والإسراع في قراءة القرآن فيها، بل ربما لا يكون فيها اطمئنان وخشوع، فضلاً عن تدبر ما يقرأ فيها، أو الإطالة والمبالغة في دعاء القنوت مع السجع فيه، والتزام أدعية معينة؛ خاصة عند ختم القرآن مما لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته -رضي الله عنهم-!

ومن الأخطاء الشائعة: تسميتهم آخر جمعة من رمضان: "الجمعة اليتيمة"! وتخصيصها بأمور وأحوال، كقول الخطباء على المنابر: "لا أوحش الله منك يا شهر رمضان، لا أوحش الله منك يا شهر القرآن، يا شهر المصابيح، يا شهر التراويح، يا شهر المفاتيح"، ونحو ذلك...

ومن الأخطاء الشائعة المتعلقة بليلة القدر: الجزم للعوام بأنها ليلة كذا... مع ما في ذلك من الخلاف، وما يصاحب تلك الليلة عندهم من الاحتفالات، والخطب، والقصائد والمدائح، والانشغال بذلك عن قيامها، والتعبد فيها، واعتقاد علامات لها لم تثبت شرعًا: كاشتراط نزول المطر فيها، ورؤية منامات ونحو ذلك.

ومن الأخطاء الشائعة أيضًا: الإسراف في الإنفاق على أنواع الأطعمة والأشربة، والفواكه، والحلويات المختلفة، والمخللات وفواتح الشهية، حتى صارت النفقة في رمضان على ذلك أضعاف ما ينفق في غيره من الشهور!

وخـَتم الشهر بعمل أنواع من الكعك والبسكويت ليوم العيد، وربما استدان المرء لذلك! وانشغل أهل البيت صغارًا وكبار بصنع ذلك عن التعبد، والذكر، وقراءة القرآن في ليالي العشر الأواخر من رمضان، وغالب ذلك من الإسراف المذموم والرياء بين الناس!!

ومن الأمور المؤسفة: ما يتهاون فيه الكثيرون من الكبائر؛ كترك إخراج الزكاة لسنوات عديدة، وترك أداء الحج مع القدرة المالية والبدنية عليه، والتعامل بالربا مع البنوك الربوية، وعدم المواظبة على الصلوات المكتوبة، أو قصر أداءها على رمضان، والجمع، أو التردي في الغيبة، والنميمة، والرشوة، والغش، ونحو ذلك من كبائر الأمور المنهي عنها، والتي بها يفقد المرء ثواب صيامه، فلا ينتفع بالامتناع عن المفطرات من أذان الفجر إلى أذان المغرب إلا بإسقاط فريضة الصيام عنه فلا يطالب بقضاء، ولكنه يوم القيامة من أصحاب الكبائر المستحقين لدخول النار بركن لم يؤده، أو بكبيرة لم يتب منها، ولو ترك هذا الصيام لزادت بذلك كبائره كبيرة.

ومن الأخطاء المتعلقة بمجيء رمضان في الإجازات الصيفية ونحوها من الإجازات: السفر للفسحة والتنزه، والاصطياف بأماكن ومنتجعات ومتنزهات وشواطئ تـُقترف فيها المعاصي: من الاختلاط بين الجنسين، والتعري، ونحو ذلك... مع ترك الصيام، وقصر الصلاة بدعوى أن للسفر رخصة، وقد بيَّن الفقهاء أن السفر الذي فيه الرخصة بذلك ما ليس سفر معصية، كسفر واجب أو مندوب أو مباح، أما سفر المعصية فلا يترك فيه صيام رمضان ولا تقصر فيه الصلاة لما في ذلك من الإعانة على المعصية.

ومما يكثر في الإجازات: السهر طوال الليل على المقاهي، أو الكورنيش، أو أمام التلفاز، أو مع الأصدقاء فيما لا يفيد، حتى وقت تناول السحور، ويعقبه نوم طويل في النهار، وربما إضاعة صلاة الفجر جماعة أو في وقتها، وفي الحديث المرفوع: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَكَانَ لاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا) (متفق عليه).

قال النووي -رحمه الله-: "واتفق العلماء على كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير" اهـ من: "علام يسهر هؤلاء" إعداد: خالد أبو صالح ص:9.

وقال الشيخ صالح الفوزان: "السهر على القيل والقال، وما لا فائدة فيه، أو على اللهو واللعب والمعاصي، ومتابعة المسلسلات، والأفلام الخليعة، وما يأتي عن طريق البث التليفزيوني بواسطة الدشوش، كل ذلك سهر حرام في رمضان وغيره، وفي رمضان أشد تحريمًا؛ لحرمة الزمان، ولأنه بهذا السهر تضيع أوقات في الليل والنهار، وقد ينام في النهار عن أداء الصلوات في وقتها بسبب السهر في الليل، والله جعل الليل للنوم، وجعل النهار للعمل، وهؤلاء عكسوا الأمر، وخالفوا ما طلب منهم، وضيعوا أوقاتهم بالسهر بالليل والنوم بالنهار" اهـ من: "علام يسهر هؤلاء" ص:10 نقلاً عن مجلة الدعوة العدد رقم: "1673".

وكل سهر أدى إلى الوقوع في محرم فهو محرم، أما السهر في طاعة الله، أو في مصالح المسلمين ما لم يترتب عليه ضياع واجب، أو فوات مصلحة أرجح فهو سهر محمود.

ومن مخالفات بعض النساء في رمضان: تحرج الحائضات منهن أو النفساء من الأكل والشرب في نهار رمضان، فلا يأكلن إلا قليلاً أو يتناولن لقمة قبل أذان المغرب بقليل تأكيدًا لعدم الصيام! وهذا تنطع؛ خاصة من نفساء مرضع تحتاج إلى التغذية الجيدة، والطعام والشراب عقب ولادتها، إذ للحائض والنفساء أن تأكل وتشرب بلا حرج في نهار رمضان، ويحرم عليهن الصوم، وإنما يحرم على من أفطر في رمضان لغير عذر أن يأكل أو يشرب في نهاره؛ لحرمة الشهر في حقه، مع ما يلزمه من القضاء والكفارة بحسب سبب فطره بغير عذر شرعي.

وبعد...

فهذه جملة من مخالفات، وبدع تقع من البعض في رمضان ذكرتها إجمالاً خشية الإطالة، والله أسأل أن يجنبنا جميعًا الخطأ والتقصير، أو التفريط في هذا الشهر الفضيل. اللهم آمين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.



نقلا عن موقع صوت السلف
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

رمضان فضائل وحكم

الحمد لله الذي جعل رمضان سيد الأيّام والشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور، أحمده سبحانه وأشكره وهو العزيز الغفور، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى والنّور، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم النشور. أمّا بعد:

فإنّ الأيّام تمر مرّ السحاب، وتمضي السنون سراعاً، ونحن في غمرة الحياة ساهون، وقلّ من يتذكر أو يتدبر واقعنا ومصيرنا، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62].

المسلم في عمره المحدود وأيّامه القصيرة في الحياة، قد جعل الله تعالى له مواسم خير، وأعطاه من شرف الزمان والمكان ما يشد به الخلل ويقوّم المعوجّ في حياته، ومن تلك المواسم شهر رمضان المبارك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

ففي رمضان تخف وطأة الشهوات على النفس المؤمنة وترفع أكف الضراعة باللّيل والنّهار.

فواحد يسأل العفو عن زلته، وآخر يسأل التوفيق لطاعته، وثالث يستعيذ به من عقوبته، ورابع يرجو منه جميل مثوبته، وخامس شغله ذكره عن مسألته فسبحان من وفقهم، وغيرهم محروم.

من فضائل شهر رمضان

إنّ شهر رمضان شهر قوّة وعطاء، فيه غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، وكان يصوم هو والمسلمون، وفيه كانت غزوة بدر الكبرى، وفي تلك الغزوات انتصرت راية الإسلام وانتكست راية الوثنية والأصنام، وفيه وقع كثير من معارك المسلمين وحملات جهادهم وتضحياتهم.

وفي رمضان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكثر ما يكونون قوة وحيوية ومثابرة على العبادة ومضاعفة لها.

لذا فإنّ شهر رمضان شهر العمل وشهر الصبر والعطاء، وليس شهر الضعف والكسل والنوم، وخمول بعض الصائمين ولجوئهم إلى النّوم في نهاره، والإقلال من العمل يخالف الحكمة من الصوم، ولا يتفق مع الغاية منه.

كان المسلمون الأوائل يعيشون رمضان بقلوبهم ومشاعرهم فإذا كان يوم صوم أحدهم فإنّه يقضي نهاره صابراً على الشدائد متسلحاً بمراقبة الله وخشيته، بعيداً عن كل ما يلوث يومه ويشوّه صومه، ولا يتلفظ بسوء ولا يقول إلاّ خيراً، وإلاّ صمت.

أمّا ليله فكان يقضيه في صلاة وتلاوة للقرآن وذكر الله تأسياً برسوله .

ثمار الصوم ونتائجه مدد من الفضائل لا يحصيها العدّ ولا تقع في حساب الكسول اللاهي الذي يضيع شهره في الإستغراق في النّوم نهاراً وزرع الأسواق ليلاً، وقتل الوقت لهواً.

الصيام جنّة من النّار: كما روى أحمد عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّما الصيام جنّة، يستجنّ بها العبد من النّار» .

الصوم جنّة من الشهوات: فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنّه له وجاء» [أخرجه البخاري ومسلم].

الصوم سبيل إلى الجنّة: فقد روى النسائي عن أبي امامة رضي الله عنه، أنّه قال: يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به، قال: «عليك بالصيام فإنّه لا مثل له».

وفي الجنّة باب لا يدخل منه إلاّ الصائمون: فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ في الجنّة باباً يقال له: الريّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد» [أخرجه البخاري ومسلم].

الصيام يشفع لصاحبه: فقد روى الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنّهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم باللّيل فشفّعني فيه، قال: فيشفعان» .

الصوم كفارة ومغفرة للذنوب: فإنّ الحسنات تكفر السيئات، فقد قال من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه البخاري ومسلم].

الصيام سبب للسعادة في الدارين: فقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربّه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه البخاري ومسلم].

إستغلال الفرص في رمضان

هل يكون شهر رمضان في هذا العام موسماً للعودة إلى الله وفرصة للمحاسبة وطرح التقصير في جنب الله؟

هل يكون فرصة للمسرفين على أنفسهم ليعودوا إلى الله بقلوب واعية وحياة إسلامية صادقة؟

وفرصة للدعاة إلى الله ليعيدوا النظر بمهمتهم ويدركوا أنّهم يحملون أشرف دعوة، ويعملون لأنبل غاية، فيتخلصون من همّ النفس والطواف حول الذات فما عند الله خير وأبقى.

وفرصة لكل مسلم لينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً، ينصر المظلوم برد ظلامته، وينصر الظالم بالأخذ على يديه فتسود المفاهمة الصف المسلم.

وفرصة للأغنياء والمترفين لمراجعة الحساب والإحساس بحاجة الفقراء، وشكر النعمة بوضعها حيث أراد المنعم، فيساهموا في إنقاذ الجائعين في الأمّة الإسلامية، فإيمانهم معرض للخطر إذا لم يطعم جائعهم ويكس عاريهم ويغث ملهوفهم.

وفرصة لكل مسلم ليدرك أنّ التساهل يؤدي إلى الكبائر، فيقلع عن الغيبة والنميمة وسوء الظّن والإحتقار والإزدراء.

وفرصة لأن نرسم لأنفسنا منهجاً نتدرب من خلاله على المعاني الإسلامية، لنملك اليد المسلمة، الرجل المسلمة، العين المسلمة، الأذن المسلمة، اللّسان المسلم، بحيث تتحرك الجوارح جميعها كما أراد لها ربها وخالقها: «وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» [رواه البخاري].

كل ذلك يمكن أن يتحقق في مدرسة الصيام التي تربي على الإرادة الجازمة والعزيمة الصادقة، تلك التي تكسر غوائل الهوى، وترد هواجس الشر.

أيّ إرادة قوية، بل أي نظام أدق من أن ترى المؤمن في مشارق الأرض ومغاربها يمسك عن طعامه وشرابه مدة من الزمن، ثم يتناوله في وقت معين، ثم يمسك زمام نفسه من أن تذلّ لشهوة أو تسترق لنزوة أو ينحرف في تيار الهوى الضال.

بل إنّه يقول لسلطان الهوى والشهوة: لا، وما أروعها من إجابة إذا كانت في مرضاة الله.

لا يرفث ولا يصخب ولا يفسق، ولو جرح جاهل مساعره واستثار كوامنه لجم نوازع الشر بقوله: " إني امرؤ صائم ".

إنّ كثيراً من النّاس أسرى لما تعوّدوه، وكلّما حاولوا ترك العوائد راجعوا، ذلك لأنّ للعادات سلطاناً على النفوس وهيمنة على القلوب، كم منّا من تملكه عاداته في طعامه وشرابه ونومه ويقظته، فلا يستطيع الفكاك منها، والصوم علاج نافع لكثير من هذه العادات فيتخلص به من أعبائها وأثقالها، وبه يستطيع المسلم - إذا عزم وصمّم - أن يترك ما شان من العادات ويتخلى عنه دون أن يصيبه أذى أو يلحقه ضرر، ثم ينتقل إلى محاربة عادات لها مضارها ومآثمها كالليالي الساهرة، والحفلات المستهترة، والعلاقات الخبيثة، وكالإدمان على الدخان والششية والقات، ونحوه من المفتّرات والمخدرات أو الشهوات، من كل ما هو نتيجة لضعف الإرادة والاستسلام المخزي الذي لا يليق بالرجولة ولا يتفق مع الخلال الشريفة.

إذا أردتم أن تصوموا فصوموا فيه عن الأحقاد والمآثم والشرور، كفّوا ألسنتكم فيه عن اللّغو، وغضّوا أبصاركم عن الحرام، فمن الصائمين من ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش، ذلك الذي يترك الطعام ويأكل بالغيبة لحوم إخوانه، ويكف عن الشراب، ولكنّه لا يكف عن الكذب والغش والعدوان على النّاس.

وصية للصائمين

كونوا أوسع صدوراً، وأندى ألسنة، وأبعد عن المخاصمة والشر، إذا رأيتم زلة فاحتملوها، وإن وجدتم إساءة من إخوانكم فاصبروا عليها، وإن بادأكم أحد بالخصام فلا تردوا بمثله، بل ليقل أحدكم: " إنّي صائم ".

بركات هذا الشهر

من بركة هذا الشهر عظم فضل الأعمال الصالحة فيه، ومنها:

قيام الليل: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان فيقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم].

الصدقة: فقد «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود النّاس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل» [رواه البخاري ومسلم]، فيستحب الجود والصدقات، ولا سيما الإكثار منها في شهر رمضان المبارك.

يستحب الإكثار من تلاوة القرآن الكريم: وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكثرون من تلاوة القرآن في الصلاة وغيرها.

الإعتكاف: وهو ملازمة المسجد للعبادة تقرباً إلى الله عز وجل و «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله» [رواه البخاري ومسلم].

العمرة في رمضان تعدل حجة: كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

يستحب للصائم السحور: كما أخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «السحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإنّ الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحربن» .

ويستحب تعجيل الفطر والدعاء عند الإفطار: فقد روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم..».

اللّهم تقبل من الصائمين صيامهم، ومن المتصدقين صدقاتهم، ومن القائمين قيامهم، ومن الداعين دعائهم، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وأخرجنا من هذا الشهر مغفور لنا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


عبدالباري الثبيتي
دار القاسم



نقلا عن موقع طريق الإسلام
http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2427

مفاتيح النجاح الرمضاني

مفاتيح النجاح الرمضاني
للشيخ عادل بن أحمد بانعمة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
كنتُ ومازلت أقول: إنني أتهيب الحديث في الموضوعات الإيمانية لما أعلمه من نفسي من قصور أخشى معه أن أدخل في دائرة ( لم تقولون مالا تفعلون ).

ولولا رجاء أن تقدح مثل هذه الإحاديث همةَ نقيٍّ تقيٍّ فيقع لصاحبها من الأجر ما يقع له لما كان لي أن أخوض فيها .

هذه خطبة كنتُ ألقيتها في مطالع شهر رمضان من العام الماضي، وفيها معانٍ جيادٌ أحسبها نافعةً جداً لمن أراد أن يكون شعاره هذا العام : ( رمضان غير ) !!

ولعل من يرى فيها من الإخوة شيئا حسناً أن يكون سبباً لنشرها عبر المجموعات البريدية أو المنتديات فصاحبكم قد لا ينشط كثيراً لمثل هذا على جليل فضله وعظيم نفعه .

إليكم رابط الخطبة الصوتي :

http://www.4shared.com/file/12150867...___online.html

وإليكم نصّها :

مفاتيح النجاح الرمضاني
خطبة جمعة بمسجد محمد الفاتح
أعدها
أبو البراء عادل باناعمة
5/9/1429هـ


قبل نحو شهرين أو ثلاثة كانت قلوب الملايين معلقةً بنتائج الامتحاناتِ ، الكل يرجو النجاح ويخشى الرسوب .
كنت ترى علائم القلق وهي ترتسم على الوجوهِ ، وسيماء الترقّب وهي تخطُّ على الجباه قصصاً شتّى ، وحكاياتٍ متباينةً .
وحين جفّتِ الأقلامُ بالنتائج ، وبانَ كَوْرُ من اجتهدَ واستعدّ ، وحَوْرُ من تكاسلَ وما اشتدّ .. حين كان ذلك زغردت بالبشرى حناجر ، وغرقتْ في دموع الأسى محاجر !!
تذوّق الناجحون للنجاح طعماً لذيذاً ، فرحوا به وفرح به من حولهم ، وكَرَعَ الراسبون للفشل شراباً كريهاً يتجرعونه ولا يكادون يسيغونه.
خرج الناجح يحمل في يمناه البشارة ، يزهو بها على أقرانِهِ ، ويدلّ بها على أهلِهِ وإخوانِهِ ، وكل من حوله يرى له حقاً في نشوةٍ غامرةٍ أوجبها نجاحٌ جاءَ بعد تعبٍ ونصبٍ .
وخرج الراسبُ يخفي بيسراه ورقةِ فضائحِهِ ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ! وكل من حوله يراه جديراً بالملامةِ ، حقيقاً بالتوبيخ .
الجميع كان يحس بقيمة ( النجاح الدراسيّ ) ..
والجميع كان يحس بحسرة ( الفشل الدراسي ) ..

تُرى ...
هل حملنا ذات يوم هذا الإحساس الحاد بالنجاح والفشل ونحنُ نتعامل مع شهر رمضان الكريم ؟!!
أعني هل فكرنا ذات يومٍ بمدى أهمية أن ( ننجح ) في هذا الشهر ؟ ومدى كارثة أن ( نفشل ) فيه ؟!
لماذا يكون شعورنا بثنائية النجاح والفشل حاداً جداً في جانب الدراسة ، والوظيفة ، والتجارة وغيرها من أمور الدنيا .. ويكون باهتاً جداً عندما يتعلق الأمر بالجانب العبادي ؟

بعبارة أوضح ...
لماذا نهتم بالنجاح في المشاريع الدنيوية ، ولا نبالي بالنجاح في المشاريع الأخروية ؟

دعونا نتأمّل قليلاً في قيمةِ ( النجاح ) في هذا الشهر المبارك شهر رمضان !
روى ابن حِبّان في صحيحه عن طلحة بن عبيد الله ، قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رجلان من بَلِيٍّ ، فكان إسلامهما جميعاً واحداً ، وكان أحدهما أشد اجتهاداً من الآخر ، فغزا المجتهد فاستشهد ، وعاش الآخر سنة حتى صام رمضان ، ثم مات ، فرأى طلحة بن عبيد الله – أي في المنام - خارجاً خرج من الجنة ، فأذن للذي توفي آخرهما ، ثم خرج فأذن للذي استشهد ، ثم رجع إلى طلحة ، فقال : ارجع فإنه لم يأن لك ، فأصبح طلحة يحدث به الناس ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثوه الحديث ، وعجبوا ، فقالوا : يا رسول الله كان أشد الرجلين اجتهادا ، واستشهد في سبيل الله ، ودخل هذا الجنة قبله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أليس قد مكث هذا بعده بسنة ؟ » قالوا : نعم . قال : « وأدرك رمضان فصامه ، وصلى كذا وكذا في المسجد في السنة ؟ » قالوا : بلى ، قال : « فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض ».
انظروا الآن وتأملوا ...
(أليس قد مكث هذا بعده بسنة وأدرك رمضان فصامه ) !!
لقد كان ( نجاحُ ) هذا الصحابي الجليل في شهرِ رمضانَ سبباً لأن يسبق إلى الجنةِ من كان أكثر منه اجتهاداً وعبادةً ! ( نجاحُهُ ) في شهرٍ واحدٍ من شهور ( رمضان ) جعله يسبق هذا السبق البعيد .
فهل يشعر كل واحدٍ منا الآن بقيمة ( نجاحه ) في شهر رمضان ؟
دعونا ننظر إلى الزاوية الأخرى ..
إلى كارثة ( الفشل الرمضاني ) ...
روى ابن حبان أيضا في صحيحه عن مالك بن الحويرث ، قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، فلما رقي عتبة ، قال : « آمين » ثم رقي عتبة أخرى ، فقال : « آمين » ثم رقي عتبة ثالثة ، فقال : « آمين » ثم ، قال : « أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ، من أدرك رمضان فلم يغفر له ، فأبعده الله ، قلت : آمين ... الحديث .
إنها كارثةٌ فعلاً .. دعاءٌ من سيد الملائكة وتأمين من سيد البشر !
على أي شيء؟
على ( إبعاد ) من فشل في رمضان ولم ينجح ! ( من أدركه رمضان فلم يغفر له ) .

وازنوا الآن بين الصورتين .. صورة الناجحين في رمضان ممثلةً في ذلك الرجل البلويّ السابق إلى الجنة ، وصورة الراسبين فيه ممثلةً في من دعا عليه الملك بالإبعاد وأمَّنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم .

يقول علماءُ النفسِ : إن المسافة بين صورة النجاح والفشل في أي قضيةٍ كانت هي التي تتحكم في حجم الدافع الداخليِّ لدى الإنسان .
فكلما زادت هذه المسافة .. زادت حماسة الإنسان للنجاح .
وكلما قلّت .. فترت همته وقل سعيه للنجاح .
بمعنى أنك إذا كنت لا ترى فرقاً كبيراً بين أن تنجح أو أن تفشل في قضيةٍ ما فإن حماسك للنجاح في هذه القضية يكون ضئيلاً جدا .
ولكنك إذا كنت تجد فرقاً هائلاً بين نجاحك وفشلك فسيدفعك ذلك دفعاً شديداً لأن تطلب النجاح وتحصّله .
وأنا عندي اعتقادٌ أكيدٌ بأنّ عدم استشعارنا العميق للفرق بين الناجحين في رمضان والفاشلين فيه سببٌ من أسبابِ قلةِ احتفالنا بالنجاح الرمضانيّ .
وأحسب أننا جميعاً بعد هاتين الصورتين المتضادتين قد بدأنا نشعر بقيمةِ النجاح في شهر رمضان ..

وهذا الشعور العميق هو أول الدوافع نحو البحث عن ( مفاتيح لهذا النجاح الرمضانيّ ) .

وهذه المفاتيح هي ما أحاول أن أتحدث عنه في هذا المقام .. قلتُ : أحاول وأنا أعني ما أقول ؛ لأن الموضوع أكبر من طاقتي العملية .. والأهمّ أنه أكبر من طاقتي الروحية .. وعافيتي القلبية .. ولكنني أحاول .. أحاول فحسب . وعسى أن يكون في السامعين من هو أزكى قلباً وأنقى روحاً وأعلى همةً فينشطَ لما كسلتُ فيه أنا.
في ظنّي أن مفاتيح النجاح الرمضانيّ خمسة أنسقها مسجوعةً ليكون ذلك أدعى لحفظها :

المفتاح الأول : كمال الاستعداد .
والمفتاح الثاني : جمال الاستمداد .
والمفتاح الثالث : تحريك أشواق الفؤاد .
والمفتاح الرابع : التخطيط المستفاد .
والمفتاح الخامس : مكمّلات الزاد .

أما ( كمال الاستعداد ) فشيءٌ قد فات وقتُهُ للأسف ، وأعني به أن يتهيّأ الإنسان لهذا الشهر قبل قدومِهِ ، ويستعدّ للحظاتِهِ قبل ورودِهِ ، وقد سلف لهذا المنبر حديث مفصَّلٌ عنوانه ( استعدّ من الآن ) أحسبُ أنّه وفّى هذا المفتاح حقَّهُ من النظر والفحص .

وأما ( جمال الاستمداد ) – وهو المفتاح الثاني – فهو سرٌّ من أسرار النجاح الرمضانيِّ يعرف قيمته من وُفِّق إليه .
وحقيقته أن يستمد العبدُ من ربه العونَ على الطاعةِ والعبادةِ ، وأن يكون كما قال القائلُ :
دعِ العبدَ ياعبدُ وارفع يديك ودقّ السماءَ وقل ياودودْ
ولقد ربط سبحانه وتعالى بين العبادة والاستعانة ربطاً محكماً في قوله جل جلاله : ( إياك نعبدُ وإياك نستعين ) . إن هذا الجمع بين العبادة والاستعانة في آية كريمةٍ نكررها في كل ركعة من صلواتِنا معناهُ أنّ عليك أيها العبدُ أن تعقلَ أنه لا سبيل لك إلى كمال العبادة إلا عبر بوابة الاستعانةِ .
وقد تكرر هذا المعنى في النصوص الشرعية .. وأوضح ما هنالك مارواه أحمدُ وغيره عن عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ)، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ، قَالَ: ( أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).
فهذه وصية نبويةٌ جاءت في سياق المحبةِ فحواها أن على الإنسان أن يستعين بالله على طاعته دبر كل صلاة .
وللعظيم آبادي في عون المعبود تعليق لطيفٌ على هذا الحديث خلاصته أن النبيّ صلى الله عليه وسلم علَّم معاذاً أن يستعين بالله في سائر أنواع العبادات .. فالذكر إشارة إلى عبادة اللسان ، والشكر إشارة إلى عبادة الجِنان ( أي القلب ) ، وحسن العبادةِ إشارة إلى عبادة الأركان ( أي الجوارح ) ! وبهذا تُستوفى كل أنواع العبادة . [ انظر عون المعبود ]
وقد صدق من قال :
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهادُهُ !
كم هي المراتُ التي عزمنا فيها على ضروبٍ من الطاعات في رمضان ثم لم نوفق لها ؟
كم مرةٍ جلسنا مع أنفسنا وقلنا : سنختم كذا وكذا ختمة ، ونصلي كذا وكذا ركعة ، ثم وجدنا أنفسنا لا نفي بما عزمنا عليه ولا حتى بنصفه أحياناً !!
هل تعرفون السبب ؟
السبب أنّنا فكرنا وقدرنا ولكننا مارفعنا أيدينا بصدق وقلنا : يارب أعنّا على ما عزمنا عليه من الطاعة ، فوكلنا الله لأنفسنا !! ومن وُكِل إلى نفسه فقد وُكِلَ إلى ضيعةٍ وعجز ، ألم يقل نبيّنا صلى الله عليه وسلم – فيما رواه أحمد - : (وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ) ؟
لماذا يفتقر العبد في أداء العبادة إلى الاستعانة ؟
لأنّه إنما يعبد الله بجوارحِهِ وهذه الجوارح بيد الله إن شاء بعثها وإن شاء قعَدَ بها ، وتأملوا قوله تعالى : ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم ) ، قال الشوكاني في فتح القدير : أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم . وعليه فمن شاء تنشيط جوارح للعبادة فليستعن بخالقها ومصرّفها.
كذلك يفتقر العبد في أداء العباة إلى الاستعانة لأنّه إنما تحسُنُ عبادتُهُ بحضورِ قلبِهِ وخشوعِهِ والقلوب – كما صح في الحديث عند مسلم – ( بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحدٍ يصرفه حيث يشاء ) . فمن شاء تصريف قلبِهِ من الإدبار إلى الإقبال ، ومن القسوة إلى اللين ، ومن الغلظِ إلى الخشوع فسبيله أن يطرق باب الله ويستعين به .
وانظر جليل أثر الاستعانة في باب العبادة فيما رواه الذهبي في سيره [ 7/178 ] في ترجمة الزاهد القدوة شيخ العباد عبد الواحد بن زيدٍ ، فقد ذكر أنَّ فُلِجَ في آخر حياتِهِ فعزّ عليه ألا يتوضّأ وألا يقوم بين يدي ربه فسأل اللهَ العون على ذلك ، فكان إذا حانتِ الصلاةُ أُطلِقت جوارحه فقام وتوضأ وصلى فإذا رجع إلى سريره فلج كما كان !!!
ولاغرو وقد رأينا هذه الاستعانة أن يبقى عبد الواحد يصلي الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة !
أخي ..
إذا كانت الاستعانةُ بالله قد حركتِ الجوارح الميتة فنشطت للطاعة فكيف لا تبعث همةً خامدةً ؟ وكيف لا تنشّط جسداً كسولاً ؟ وكيف لا تحرك قلباً فاتراً ؟
حدثني أخٌ كريم أنه كان إذا اعتكف في الحرم غلبه النعاس في صلاة القيام ، وأنه احتال على ذلك بمحاولة زيادة ( جرعة ) النوم فصار يغفو حتى بين المغرب والعشاء حسب الإمكان .. ولكن بلا فائدة .. وحين هُدِي إلى الطريق الصحيح رفع يديه واستعان بالله صادقاً مخلصاً .. وصار قبل كل صلاة قيام يدعو بإلحاح أن يصرف الله عنه كل ما ينغص صلاتُهُ .. فإذا هو يجدُ للصلاة طعماً آخر ! وماعادت قلة النوم تشغل باله !!
عليك – أيها الأخ - بهذا المفتاح مفتاح جمال الاستمداد كلما عزمتَ على طاعةٍ ، وكلما رأيت فتوراً ، وكلما هممتَ بأمر خيرٍ فلم تطاوعك نفسك .. وانظر من بعدُ كيف تتنزل عليك البركات .

المفتاحُ الثالثُ للنجاح الرمضانيّ هو ( تحريك أشواق الفؤاد ) .. وسرُّهُ أن القلبَ هو الذي يحمل الإنسان على الفعلِ إذا أحبَّ ، ويحمله على الترك إذا أبغضَ ، وأما العقل فقصارى أمره أن يقول لك : هذا صوابٌ وهذا خطأ .. أما الباعثُ والدافعُ والمحرّكُ فقلبيٌّ صِرْفٌ .
ومشكلتنا اليوم مع رمضان أننا ( نعرفُ ) كثيراً من فضائلِهِ وبركاتِهِ ولكننا ( لانشعر ) قلبياً بهذه الفضائل والبركاتِ ، وبالتالي لا نشتاقُ إليها ، ومن ثمَّ نبقى نراوح عبادياً في أماكننا !!
إنَّ العقل هو ( مستودع ) معلومات ، وإنَّ القلب هو ( مخزن ) مشاعرَ . في جهاز الحاسوب هناك ( أوامر ) مخزنة في الذاكرة ، هذه الأوامر تظلُّ جامدةً حتى تجري في الجهازِ حرارة الكهرباء ، فيتمكّن الجهاز من تحويل تلك الأوامر إلى ( إنجازاتٍ ) تشاهدُ عبر الشاشة .. ما في عقولنا من معلوماتٍ عن رمضان وفضائله هو كهذه الأوامر .. تظل جامدةً حتى يتدفق تيار المشاعرِ القلبيّ .. حينئذٍ فقط تتحول إلى عملٍ .
وهذا هو المفتاح الثالث .. أن نحرِّكَ أشواقَ الفؤاد نحو رمضان وعباداتِهِ من خلال تحويل ( فضائله ) من معلوماتٍ مجرّدةٍ عقلية نسابق الواعظ في ذكرها ، إلى مشاعرَ حيّةٍ قلبيّةٍ . لنأخذ مثالاً .. ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) .. دعونا نجتهد في تحويل هذه المعلومة إلى شعور !
لنقف هنيهةً مع أنفسِنا .. كم هي المعاصي التي ارتكبناها ؟
كم مرةٍ نظرنا إلى الحرامِ ؟ كم مرة سمعنا الحرام ؟ كم مرة نطقنا بما يسخط الله ؟ كم مرة قصرنا في حقوق الوالدين والأرحام ؟
كم منا من وقع في الفواحش ؟
وكم منا من كذب ؟
وكم منا من خالط جوفه مالٌ حرامٌ ؟
كم في خفايانا من ذنوبِ سرّ لا يعلمُها إلا الله .. يؤرقنا مجرد التفكيرُ فيها ؟
ثمّ .. هل فكرنا كم من الرزق حرمناه بسبب هذه المعاصي ؟ وكم من التوفيق فاتنا بسببها ؟ وكم من العقوبة حلت بنا جراءها ؟
ثم .. هل فكرنا فيما ينتظرنا في القبر ويوم القيامةِ من عقوبةٍ لا قبل لنا بها جراء اجترائنا على حرمات الله ؟
كل هذا البلاء الآخذ بأكظامِ النفسِ يمكنُك أن تتحرر منه في شهرٍ واحدٍ !!
يا ألله !
شهرٌ واحدٌ تمحو عذابات السنين ؟!!
شهر واحدٌ يذهبُ بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ ناءت بها ظهورنا .. ووجلت لها قلوبنا ؟
شهر واحدٌ – وربما ليلة واحدةٌ منه - تنفض عنا عوائق التوفيق ، وموانع البركة ؟
نعم .. هو كذلك رمضان .. يغسلك ياسيدي .. يغسلك بالكليةِ .. ويخرجُكَ نقياً كماء السماء .. أبيضَ كسحابِ السماء .. حراً كهواء السماء ..
هل تدرك قيمة ذلك ؟
أقصد .. هل ( تشعر ) بقيمةِ ذلك ؟
شيءٌ آخر في هذا السياقِ ..
هل تدرك الفرق بين عمر بن الخطابِ رضي الله عنه قبل الإسلام وعمر بعد الإسلام ؟
هل تدرك الفرقَ بين عبد الله بن المبارك المغنّي شاربِ الخمر وعبد الله بن المبارك العلم الإمام المحدث الرباني ؟
هل تدرك الفرقَ بين الفضيل بن عياضٍ قاطعِ الطريقِ اللصّ النهّابِ والفضيل العابد الزاهدِ التقي النقي ؟
لقد كان في حياة هؤلاء جميعاً ( لحظةٌ ) تحول فيها مسار حياتهم ، وتبدلت شخصياتهم ، واعتدلت بوصلتهم .. إنّها لحظةُ الهدايةِ والتوفيقِ بها صاروا من حال إلى حال .
اصدقني .. ألا تتمنى في حياتك لحظةً كهذه .. تنفضك نفضاً ، وتنقلك من الدرك الذي أنت فيه فإذا بك وليٌّ من أولياء الله الصالحين ، وعلمٌ من أعلام الأمة العاملين ؟
تذكر إذنْ أنّ شهر رمضان الذي ( تنجحُ ) فيه هو أرجى أوقاتِ حياتك لتحقيق لحظة الهداية هذه .
هل بدأنا نشعرُ ( بقيمة ) هذا الشهر ، وبمقدار ما يمكنُ أن يحدثه في حياتنا من أثر ؟!!
بمثل هذا النظر ( نحرّك أشواق الفؤاد ) ونبعثُ في معلومات ( العقل ) حياة ( القلب ) .. ويالها من حياة !

مفتاح النجاح الرمضانيّ الرابع هو ( التخطيط المستفاد ) .
والناس يخططون لكل شيء .. لدراستهم ، لتجارتهم ، لبيوتهم ، بل يخططون حتى لنزههم وإجازاتهم .. ثم هم بعد ذلك لا يخططون لعبادتهم ! ولا يخططون للنجاح الرمضاني !!!
وعندي أن التخطيط العباديّ الرمضانيَّ له ثلاثةُ أبعاد :
أولها : منهجةُ العبادة .. بأن تجعل لك منهجاً واضحاً فيما تريد إنجازه من عبادات رمضانية ، كن واضحاً .. كم ختمة تريد أن تختم ؟ كم مرة ستصلى على النبي في اليوم ؟ كم مرة ستستغفر ؟ بكم ستتصدق ؟ ارسم لك منهجاً واضحاً محدداً لما تريد من عبادات لأن ذلك سيشدّك إلى هدفك ويجعل بين يديك معياراً تحاسب به نفسك يومياً .. واحذر أن يكون كل ترتيبك للعبادة رغبةً مبهمةً غائمةً في الإكثار من الخير .
وثانيها : تفتيت العبادة .. عندما تستعظم عبادةً من العبادة جزّئها وقسّمها على أوقات اليوم وسترى كم هي سهلةٌ !!
قد تستصعب الجلوس لقراءة ثلاثة أجزاء في اليوم .. ولكن حرصك على الجلوس عشر دقائق قبل كل صلاة وعشر دقائق بعدها يجعلك تختم القرآن في عشرة أيام دون تعبٍ ولا نصب !!
قد تستثقل التسبيح ألف مرة ! ولكن تقسيمك لهذه الألف على مشاوير العمل ومقاضي البيت وحوائج العيد سيجعلك تسبح ألفي مرة في اليوم دون أن تشعر !
فتِّتِ العبادة وقسّمها تسهل عليك بإذن الله .
وثالث أبعاد التخطيط العبادي في رمضان : تركينُ العباداتِ .. بمعنى أن تجعلها ركناً في برنامجك اليومي .. تدير عليها بقية الأشغال ولا تديرها هي حول الأشغال .
اختر عدداً من العبادات وحدد لها أوقاتاً واجعلها أركاناً في برنامجك اليومي .. تماماً كما تجعل وقت الدوام الوظيفي ركناً لا يجور عليه شيء من المشاغل .
عند يكون التبكير إلى المسجد للفريضة ركناً في برنامجي اليومي فإنني لن أتأخر عنه لأني عندي موعداً مع فلانٍ وأريد أن أصلي عنده ! ولن أتأخر عنه لأنني متعب وأريد النوم ! ولن أتأخر عنه لأن بين يدي عملاً ما أريد أن أفرغ منه !
وعلى ذلك قس .
بهذه الأبعاد الثلاثة يستطيع الإنسان أن يخطط لعباداته الرمضانية تخطيطا يدنيه بإذن الله من المراد ، ويملّكه مفتاحاً من مفاتيح النجاح الرمضانيّ .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم .


= الخطبة الثانية :
بقي لنا مفتاحٌ من المفاتيح التي تحاول خطبتنا هذه أن تشرحها .
إنه المفتاح الذي سميناه ( مكمّلات الزاد ) .
ومعناه أن يبحث كل إنسان عن تلك ( المكمّلات ) التي ترفدُه وتساعده في طريقه نحو النجاح الرمضانيّ .
فالبعضُ – مثلاً – ينتفع كثيراً بمواعظِ فلانٍ أو فلانٍ من المشايخ فليكثر إذن من الاستماع إليه .
والبعض – مثلاً – تهزه الصلاة خلف فلانٍ من أعماقِهِ فيبكي ويخشع فليحرص إذن على هذه الصلاة .
والبعض – مثلاً – ينتفع كثيراً بخلوةٍ بين يدي ربه ومولاه .. فليُدمن إذن على لحظاتِ الخلوة هذه .
والبعض – مثلاً – تهزُّهُ ركعاتُ الأسحارِ يترنّم فيها بالقرآن من محفوظه فليغتنمها ولا يفوتها .
وهكذا لتبحث أخي عما يحرك قلبك .. وينمي شوقك .. ويبعث همتك .. فتلك هي مكملات زادك في طريقك المشرق نحو النجاح الرمضانيّ .

وبعـــد ...
فعندي يقينٌ أنَّ كل واحدٍ منا لو توسّل بهذه المفاتيح فسوف يجد لرمضان طعماً آخر لم يكن يجده ..
وأرجو أن تكون درجاتُهُ في نهايةِ الشهر عاليةً جداً .. وأن يكون نجاحه مبهرا ً... على نحو – ربما – لم يكن يتوقعه !
وحينها يذوق طعم النجاح .. ويحظى بلحظاتِ الوصلِ والقربِ .. ويقول مع ذي النون مناجياً :
أموت وما ماتت إليك صبابتي
ولا رَوِيت من صدق حبك أوطاري
مُناي المنى كل المنى أنت لي منى
وأنت الغِنى كل الغِنى عند إقتاري
وأنت مدى سؤلي وغاية رغبتي
وموضع شكواي ومكنون إضماري
ألست دليل الركب إن هم تحيّروا
ومنقذ من أشفى على جرفٍ هارِ
أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن
من النور في أيديهم عشر معشارِ !!
[ رائق الشهد : 105 ]


نقلا من موقع شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=48463

آداب الصيام وسننه

آداب الصيام وسننه
( 5 ) ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب فمن ذلك : - الحرص على السحور وتأخيره। - تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات, فإن لم تكن رطبات فتمرات, فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء, ويقول بعد إفطاره : «ذهب الظمأ, وابتلت العروق, وثبت الأجر إن شاء الله».- البعد عن الرفث, والرفث هو الوقوع في المعاصي. - وممّا أذهب الحسنات وجلب السيئات الإنشغال بالفوازير والمسلسلات والأفلام والمباريات والجلسات الفارغات والتسكع في الطرقات. - عدم الإكثار من الطعام, لحديث «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن ...». - الجود بالعلم والمال والجاه والبدن والخلق فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس بالخير, وكان أجود ما يكون في رمضان. ومما ينبغي فعله في الشهر العظيم - تهنئة الأجواء والنفوس للعبادة والإسراع إلى التوبة والإنابة, والفرح بدخول الشهر, وإتقان الصيام, والخشوع في التراويح, وعدم الفتور في العشر الأوسط, وتحرى ليلة القدر, والصدقة, والإعتكاف. - لا بأس من التهنئة بدخول الشهور, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان, ويحثه على الإعتناء به.
المصدر

الصيام ... والسمو الإيماني

الصيام ... والسمو الإيماني إن المتأمل في رمضان، وحكمته… يقف منبهرًا بهذا التوجيه الرباني المركز نحو الطاعة والقرب من الله تعالى، والحث على فعل الخيرات، وتضاعف الأجر॥ وكل ذلك في مدة محددة محدودة مع كل ما في هذه المدة من أعمال، ليكون المسلم مشغولاً طول ليله ونهاره بالقرب من ربه سبحانه وتعالى، فهو بين الصيام، وقراءة القرآن ،والقيام، وبين صلة الرحم، والبذل والجود، ومعاونة أخيه المسلم।ولعل من أجمل وأروع ما يربينا عليه رمضان، قضية كسر العادة، ليحررنا من أسر أي عادة مهما كانت، فيفك إسار عبوديتنا للمألوف، فكما تعودنا أن نأكل ونشرب كل يوم، أصبحنا مأمورين بالصوم حتى غروب الشمس، وكما ألفنا الحرص على المال، غدونا مطالبين بالبذل والتصدق ودفع زكاة الفطر، وكما كان ليلنا للخلود والنوم، لزمنا القيام فيها لله تعالى بالصلاة. وكل هذا التركيز في الطاعات هدفه تحقيق العبودية لله أولاً كما أمر، ثم الارتقاء والسمو الإيماني بالمسلم ليكون لديه من زاد التقوى والعبادة والورع، ما يعينه في حياته وسط ضغوط الحياة، وأمواجها المتلاطمة المحيطة به.محاور الموضوع:-- كيف يؤسس الإنسان حياته على العبودية الكاملة لله سبحانه.- رمضان ودوره في تحقيق مطلق العبودية لله سبحانه.- تقلب النفس البشرية، وكيف عالجها سبحانه من خلال رمضان.- السمو الإيماني في رمضان: تجارب شخصية، ومشاهدات عينية.
المصدر

سلوكياتنا في رمضان ... إيجابيات وسلبيات

سلوكياتنا في رمضان ... إيجابيات وسلبيات رمضان… هذا الشهر العظيم الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بالصيام، وأكرمنا فيه سبحانه بفضله وكرمه، فجعلنا بين ثلاث مراحل؛ الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وضاعف لنا فيه الأجر والثواب في كل الأعمال، فحثَّنا ذلك كله على العبادة والطاعة، فأقبل المسلمون على الطاعات، وامتلأت المساجد بصفوف المصلين، وحفلت المقارئ بقارئي القرآن، وأصبح البذل والجود والتواصل والتراحم سمة ظاهرة في المجتمع، وغدا رمضان وسيلة لتهذيب النفس وتربيتها على الجوع والعطش في سبيل الله، وعلى اتخاذ الزهد منهج حياة، وحتى على مستوى وسائل الإعلام أخذت مساحة الأعمال الدينية تزداد في هذا الشهر عن غيره من الشهور.وفي ظل هذه المظاهر الإيجابية، غزت المسلمين مظاهر سلبية اختصت برمضان أيضًا، ولا تسل عن هذا التناقض وكيف حدث، فإن الواقع يشهد به ويؤكده وكم في حال المسلمين اليوم من تناقض!! فإلى جانب امتلاء المساجد بالعُمَّار جلس كثير من المسلمين في المقاهي والخيام الرمضانية والديوانيات، وأصبح هذا هو مكانهم الدائم ومأواهم الوحيد كل ليلة، وكما كان رمضان وسيلة للزهد والتقشف، صار علامة للتبذير والإسراف، وأخذت الموائد تزدان بمأكولات خاصة برمضان، وكأنه أصبح احتفالية "طعامية" مادية لا احتفالية روحية. وبمحاذاة المساحة الزائدة للبرامج الدينية في قنوات التلفاز، غدا التلفاز طريقة من طرق الإفساد والإلهاء عن العبادة سواء بزيادة عدد ساعات الإرسال حتى طلوع الفجر، أو بنوعية البرامج المقدمة، وحتى المسلسلات الدينية- أو التي يفترض أن تكون دينية -غدا مدار الحديث فيها عن الحب والعشق، وأما العادات الطيبة التي أرساها لنا رمضان من صلة الرحم والتعاون وحب الخير، قلبناها إلى مجال للحديث فيما هو غير نافع، أو ضار كالغيبة والنميمة، وتفشَّت بين المسلمين ظاهرة في غاية السوء وهي الكسل وكثرة النوم وقلة العمل،وكأنه شهر الكسالى والخاملين لا شهر الجدّ والنشاط !! وبين الإيجاب والسلب يعيش المسلم اليوم. محاور الموضوع:- العبادات في رمضان بين الالتزام بما حدده الشارع ومغالاة البعض.- الإعلام بين الدور المنشود والواقع المشهود.- العادات والتقاليد: الجانب الإيجابي منها وكيف نستثمره؟ والجانب السلبي أسبابه وطرق علاجه.

علمنة رمضان

علمنة رمضان في الدين هناك عبادات ومعاملات وأخلاق، والعلمنة لما هو ديني ليست هي فصل الدين عن الدولة أو فصله عن الحياة اليومية وحسب، بل قد تأخذ العلمنة شكل إدخال البعد المادي الدنيوي في الأخلاق والعبادات، وتحويل العبادات نفسها عن مقاصدها وغاياتها التي تخدم الرؤية الإسلامية لتنقلب في النهاية لخدمة نظم الحياة غير الإسلامية، فتكون ممارسة الفرائض الدينية في ظاهرها مستمرة وتامة، لكن في الحقيقة تخضع لعلمنة متدرجة ما تلبث أن تصبح قوية وفاصلة.وينطبق هذا على رمضان؛ إذ أنه الشهر الذي فرض علينا الله فيه الصيام، وسن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيه القيام، وغايته الكبرى هي ربط المسلم في علاقة إيمانية بربه بالعبادة والذكر وبإخوانه في المجتمع بالتكافل والبر، لكن قد تحول إلى مناسبة إعلامية إعلانية يصرف فيها التلفاز والقنوات الفضائية الناس عن العبادة، ويزيد فيها استهلاكنا من الطعام نوعاً وكمًّا، ويتحول فيها السوق الإسلامي لسوق مروجة للبضائع الأجنبية التي تحاول تسويق إنتاجها بتوفير سلع "رمضانية"، بدءاً من فوانيس رمضان الصينية المزودة بموسيقى "ماكارينا"، مروراً بالعروض الخاصة للسحور في فروع المطاعم الأمريكية للوجبات السريعة، وانتهاءً بملابس العيد المخفضة في بيوت الأزياء العالمية المختلفة .. حتى العادات الرمضانية الشعبية كالسهر والسمر في الأماكن الشعبية قد تحولت في بلدان كثيرة إلى سهرات فندقية تدخن فيها النرجيلة (الشيشة)، ويختلط فيها الرجال بالنساء، وتنتهي مع السحور على أنغام الموسيقى الغربية. وللتأمل في علمنة رمضان وكيف تحول تدريجيًا إلى هذه "العلمنة" بكل أبعادها نطرح المحاور التالية للنقاش:
إلى أي مدى تمت علمنة الشعائر لكل من جوانب العبادات والمعاملات والأخلاق في مجتمعاتنا ؟
هل تتفاوت درجة العلمنة بين الدول الإسلامية ؟
ما أثر العلمنة على رمضان باتجاه خدمة النظام العالمي في مجالات المعاملات والأخلاق؟
ما هي مظاهر علمنة رمضان؟ وما الذي يمكن تلافيه منها هذا العام وبشكل بسيط ومتاح للمسلم العادي؟
المصدر

قضاء رمضان


قضاء رمضان قضاء رمضان لا يجب على الفور، بل يجب وجوبًا موسعًا في أي وقت، وكذلك الكفارة؛ فقد صح عن عائشة أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان -رواه أحمد ومسلم-، ولم تكن تقضيه فورًا عند قدرتها على القضاء। والقضاء مثل الأداء، بمعنى أن من ترك أيامًا يقضيها دون أن يزيد عليها। ويفارق القضاء الأداء في أنه لا يلزم فيه التتابع، لقول الله -تعالى-: ) وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ(؛ أي ومن كان مريضًا أو مسافرًا فأفطر فليصم عدة أيام التي أفطر فيها في أيام أخر متتابعات أو غير متتابعات، فإن الله أطلق الصيام ولم يقيده. وروى الدار قطني عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في قضاء رمضان: "إن شاء فرَّق وإن شاء تابع". وإن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر صام رمضان الحاضر، ثم يقضي بعده ما عليه، ولا فدية عليه؛ سواء كان التأخير لعذر أو لغير عذر، وهذا هو مذهب الأحناف والحسن البصري. ووافق مالك والشافعي وأحمد وإسحاق الأحناف في أنه لا فدية عليه إذا كان التأخير بسبب العذر. وخالفوهم فيما إذا لم يكن له عذر في التأخير، فقالوا: عليه أن يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي ما عليه بعده، ويفدي عما فاته عن كل يوم مدًا من طعام. وليس لهم في ذلك دليل يمكن الاحتجاج به. فالظاهر ما ذهب إليه الأحناف، فإنه لا شرع إلا بنص صحيح
المصدر

أركان الصيام

أركان الصيام للصيام ركنان تتركب منهما حقيقته:
1
-
الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس: لقوله تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)، والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود: بياض النهار وسواد الليل، لما رواه البخاري ومسلم: أن عدي بن حاتم قال: لما نزلت )حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ( عدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكرت له ذلك فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار".
2
-
النية: لقول الله تعالى: ) وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". ولا بد أن تكون قبل الفجر من كل ليلة من ليالي شهر رمضان، لحديث حفصة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يُجْمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له". رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.وتصح في أي جزء من أجزاء الليل، ولا يشترط التلفظ بها؛ فإنها عمل قلبي لا دخل للسان فيه، فإن حقيقتها القصد إلى الفعل امتثالاً لأمر الله تعالى، وطلبًا لوجهه الكريم. فمن تسحر بالليل قاصدًا الصيام تقربًا إلى الله بهذا الإمساك فهو ناوٍ.ومن عزم على الكف عن المفطرات أثناء النهار مخلصًا لله فهو ناوٍ كذلك، وإن لم يتسحر. وقال كثير من الفقهاء: إن نية صيام التطوع تجزئ من النهار إن لم يكن قد طعم.قالت عائشة: دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء"؟ قلنا: لا. قال: "فإني صائم" رواه مسلم، وأبو داود.واشترط الأحناف أن تقع النية قبل الزوال، وهذا هو المشهور من قولي الشافعي، وظاهر قولي ابن مسعود وأحمد: أنها تجزئ قبل الزوال وبعده على السواء.على من يجب؟: أجمع العلماء على أنه يجب الصيام على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس.فلا صيام على كافر ولا مجنون ولا صبي ولا مريض ولا مسافر ولا حائض ولا نفساء ولا شيخ كبير ولا حامل ولا مرضع.بعض هؤلاء لا صيام عليه مطلقًا، كالكافر والمجنون، وبعضهم يطلب من وليه أن يأمره بالصيام، وبعضهم يجب عليه الفطر والقضاء، وبعضهم يرخص له في الفطر وتجب عليه الفدية، وهذا بيان كل على حدة
المصدر

من ثمرات الصيام

من ثمرات الصيام لفضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :- لعل أهم ثمرات الصوم إيتاء القدرة على الحياة مع الحرمان في صورة ما॥ كنت أرمق النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسأل أهل بيته في الصباح : أثَم ما يفطر به؟ فيقال : لا! فينوي الصيام، ويستقبل يومه كأنه لم يحدث॥ ويذهب فيلقى الوفد ببشاشة ويبت في القضايا، وليس في صفاء نفسه غيمة واحدة ! وينتظر بثقة تامة رزق ربه دونما ريبة، ولسان حاله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) قلت: لو جاءني إفطاري دون شاي لسخت!! ولرفضت إمضاء ورقة على مكتبي، بَلْهَ كتابة مقال!!। إنها لعظمة نفسية جديرة بالإكبار أن يواجه المرء البأساء والضراء مكتمل الرشد، باسم الثغر، والأفراد والجماعات تقدر على ذلك لو شاءت!। وأعتقد أن أسباب غلب العرب في الفتوح الأولى قلة الشهوات التي يخضعون لها، أو قلة العادات التي تعجز عن العمل إن لم تتوفر. يضع الواحد منهم تمرات في جيبه وينطلق إلى الميدان، أما جنود فارس والروم فإن العربات المشحونة بالأطعمة كانت وراءهم، وإلا توقفوا… وقد اعتمد غاندي على هذا السلاح عندما حارب "بريطانيا" العظمى.. كان الإنتاج البريطاني يعتمد على الاستهلاك الهندي.. وقرر غاندي أن ينتصر بتدريب قومه على الاستغناء نلبس الخيش ولا نلبس منسوجات "مانشيستر"، نأكل الطعام بدون الملح ما دامت الدولة تحتكره، نركب أرجلنا ولا نركب سياراتهم وقاد حركة المقاطعة رجل نصف عار جائع، يتنقل بين المدن والقرى مكتفيًا بكوب من اللبن. واستجابت الجماهير الكثيفة للرجل الزاهد، وشرعت تسير وراءه فإذا الإنتاج الإنكليزي يتوقف، والمصانع تتعطل، وألوف مؤلفة من العمال الإنجليز يشكون البطالة. واضطرت الحكومة إلى أن تطلب من "غاندي" المجيء إلى لندن كي يتفاوض معها، أو يملي شروطه عليها!!. وحياة أحمد شوقي وهو ذاهب إلى لندن بقصيدته التي يقول فيها محذرًا من ألاعيب الساسة: وقل: هاتوا أفاعيكم أتى "الحاوي" من الهند… إن الإنسان الذي يملك شهواته قوة خطيرة، والشعب الذي يملك شهواته قوة أخطر، فهل نعقل؟؟.. أحفظ للشيخ الكبير "محمد الخضر حسين" -شيخ الأزهر الأسبق- كلمة عظيمة: "لست أنا الذي يهدَّد؛ إن كوبًا من اللبن يكفيني أربعًا وعشرين ساعة"!. ومن قبله قال الشيخ عبد المجيد سليم وقد حذروه من غضب جهات عالية: "أيمنعني ذاك من التردد بين بيتي والمسجد؟ قالوا: لا.. قال: لا خطر إذن؛ ليس هناك ما يُخاف"..من أركان العظمة أن يجعل الرجل مآربه من الدنيا في أضيق نطاق مستطاع… إنه يعيي عدوه بذلك الاستعفاف أو الاستغناء. وذاك نهج الشرف الذي خطه علي بن أبي طالب عندما قال: "استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".. وما يستقيم على هذا النهج إلا امرؤ يحسن الصيام.. أعجبتني هذه الوصية لأبي عثمان النوري لابنه، وأثبتها الجاحظ، وليس لي في كتابتها إلا فضل النقل.. "يا بني: كلْ مما يليك، واعلم أنه إذا كان في الطعام لقمة كريمة أو شيء مستطرف فإنما ذلك للشيخ المعظَّم أو الصبي المدلَّل، ولست واحدًا منهما. يا بني عوِّد نفسك مجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش كالسباع، ولا تقضم كالبغال، ولا تلقم لقم الجمال، فإن الله جعلك إنسانًا فلا تجعل نفسك بهيمة، واعلم أن الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت، ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة، لأنه قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره. يا بني: والله ما أدى حق الركوع والسجود ممتلئ قط! ولا خضع لله ذو بطنة، والصوم مصحة والوجبات عيش الصالحين. يا بني: قد بلغت تسعين عامًا ما نقص لي سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول، وما لذلك علة إلا التخفف من الزاد. فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت فتلك سبيل الموت، ولا أبعد الله غيرك".. هذه وصية رجل لا يعرف عبادة الجسد التي تهاوى فيها أبناء هذا العصر، والتي جاء فيها قوله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، وقوله(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ). وتجتاح الناس بين الحين والحين أزمات حادة تقشعر منها البلاد، ويجف الزرع والضرع، ما عساهم يفعلون؟ إنهم يصبرون مرغمين أو يصومون كارهين، وملء أفئدتهم السخط والضيق.. وشريعة الصوم شيء فوق هذا، إنها حرمان الواجد، ابتغاء ما عند الله. إنها تحمل للمرء منه مندوحة -لو شاء- ولكنه يخرس صياح بطنه، ويرجئ إجابة رغبته، مدخرًا صبره عند ربه، كيما يلقاه راحة ورضا في يوم عصيب … (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ). وربط التعب بأجر الآخرة هو ما عناه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"!.. إن كلمتي "إيمانًا واحتسابًا" تعنيان جهدًا لا يستعجل أجره، ولا يطلب اليوم ثمنه؛ لأن باذله قرر حين بذله أن يجعله ضمن مدخراته عند ربه.. نازلاً عن قوله (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا). وسوف يجد الصائم مفطرين لا يعرفون لرمضان حرمة ولا لصيامه حكمة، إذا اشتهوا طعامًا أكلوا، وإذا شاقهم شراب كرعوا.. ماذا يجدون يوم اللقاء؟.. إنهم يجدون أصحاب المدخرات في أفق آخر، مفعم بالنعمة والمتاع، ويحدثنا القرآن الكريم عمن أضاعوا مستقبلهم فيقول (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ* الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) إن الصيام عبادة مضادة لتيار الحياة الآن، لأن الفلسفات المادية المسيطرة في الشرق والغرب، تعرف الأرض ولا تعرف السماء، تعرف الجسم ولا تعرف الروح، تعرف الدنيا ولا تعرف الآخرة… ليكن للقوم ما أرادوا، ذلك مبلغهم من العلم!.. بيد أننا نحن المسلمين يجب أن نعرف ربنا، وأن نلزم صراطه، وأن نصوم له، وأن ندخر عنده!.. على أن هناك حقيقة مؤسفة هي أن الصوام قلة وان امتنع عن الطعام كثيرون
مصدر

اسرار الصيام

أسرار الصيام للإمام أبو حامد الغزالي:- في الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده أما الواجبات الظاهرة فستة:الأول: مراقبة أول شهر رمضان، وذلك برؤية الهلال، فإن غم فاستكمال ثلاثين يومًا من شعبان। الثاني: النية، ولابد لكل ليلة من نية مبيتة معينة حازمة، فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه. الثالث: الإمساك عن إيصال شي إلى الجوف عمدًا مع ذكر الصوم، فيفسد صومه بالأكل والشرب والسعوط والحقنة. الرابع: الإمساك عن الجماع، وحدُّه مغيب الحشفة، وإن جامع ناسيًا لم يفطر، وإن جامع ليلاً او احتلم فأصبح جنبًا لم يفطر. الخامس: الإمساك عن تعمد إخراج القيء، وإن غلبه القيء لم يفسد صومه. وأما لوازم الإفطار فأربعة: القضاء، والكفارة، والفدية، وإمساك بقية النهار تشبهًا بالصائمين. أما القضاء: فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر. وأما الكفارة: فلا تجب إلا بالجماع. وأما إمساك بقية النهار: فيجب على من عصى بالفطر إن قربه، ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها، ولا على المسافر إذا قدم مفطرًا من سفر. وأما الفدية: فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على ولديهما، لكل يوم مُدُّ حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مدًا. أما السنن فست؛ تأخير السحور، وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة، وترك السواك بعد الزوال، والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائل في الزكاة، ومدارسة القرآن، والاعتكاف في المسجد؛ لا سيما في العشر الأواخر، فهو عادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش، وشد المئزر، ودأب وأدأب أهله، أي أداموا النصب في العبادة؛ إذ فيها ليلة القدر. في أسرار الصوم وشروطه الباطنةأعلم أن الصوم ثلاث درجات؛ صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله -عز وجل- بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله -عز وجل- واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا، إلا دنيا تراد للدين. في التطوع بالصيام وترتيب الأوراد فيهأعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة، وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة، وبعضها يوجد في كل شهر، وبعضها في كل أسبوع. أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة، ويوم عاشوراء، والعشر من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم، وهي أوقات فاضلة و"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر من صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان". والأشهر الحرم: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب؛ واحد فرد وثلاثة متواليات. وأما ما يتكرر في الشهر: فأول الشهر وأوسطه وآخره، وأوسطه الأيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. أما في الأسبوع فالاثنين والخميس والجمعة، فهذه الأيام هي الأيام الفاضلة، فيستحب فيه الصيام وتكثير الخيرات، لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات. وأما صوم الدهر فإنه شامل لكل زيادة: وللسالكين فيه طرق؛ فمنهم من كره ذلك؛ إذ وردت أخبار تدل على كراهيته، والصحيح أنه إنما يكره لشيئين: أحدهما: ألا يفطر في العيدين وأيام التشريق فهو صوم الدهر كله. والآخر: أن يرغب عن السنة في الإفطار، ويجعل الصوم حجرًا على نفسه، لأن الله -سبحانه- يحب أن تؤتى رخصة كما يحب أن تؤتى عزائمه، فإذا لم يكن شي من ذلك، ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك، فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-
المصدر

الفوائد الطبية لصيام رمضان

الفوائد الطبية لصيام رمضان
الدكتور: شريف كف الغزالأخصائي جراحة تجميل/ بريطانيا إن هدف صوم رمضان هو استجابة لله عز وجل الذي قال في كتابه الكريم ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فالصيام فريضة بين العبد وربه تكفل سبحانه وتعالى بالمكافأة عليها كما قال في الحديث القدسي ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا اجزي به ) . ومع ذلك فإن للصيام فوائد صحية كثيرة لا يُغفل عنها، فرمضان هو شهر للتدريب الجسمي والروحي مع الأمل أن يستمر ذلك لما بعد رمضان. وفي عام 1994 عُقد المؤتمر الأول لفوائد رمضان الصحية في مدينة الدار البيضاء في المغرب ونوقشت فيه حوالي (50) ورقة بحث من مختلف أنحاء العالم ومن قبل علماء مسلمين وغير مسلمين تضمنت كثيرا من الفوائد الصحية لصوم رمضان .ومن الفوائد الطبية لصيام رمضان: - راحة لجهاز الهضم : رمضان هو فترة راحة للجهاز الهضمي المسؤول عن استهلاك واستقلاب الطعام ، وبالتالي فالكبد أيضا يأخذ فرصة استراحة كونه معمل استقلاب الغذاء الرئيسي في الجسم . ولتحقيق هذه الغاية على المسلمين أن يلتزموا بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم -بعدم الإكثار في وجبة الإفطار وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه. وبهذا يُضمن بقاء النشاط وعدم الخمول والاستعداد للتمارين المعتدلة بعد فترة راحة قصيرة ألا وهي صلاة التراويح التي ثبت أن حركة العضلات والمفاصل في كل ركعة تستهلك 10 حريرات. ومن الفوائد الطبية أن يبدأ الإفطار بتناول بعض التمرات ( كما هي السنة النبوية ) فالتمر غني بسكريّ الغلوكوز والفركتوز اللذين لهما فائدة حريرية كبيرة وخاصة للدماغ ، ويفيدان في رفع مستوى السكر في الدم تدريجيا مما يخفف شعور الجوع ويقلل الحاجة إلى كمية اكبر من الطعام .- نقص الوزن المعتدل: خلال الصيام ينقص استهلاك السكريات وبالتالي فإن مستوى سكر الدم ينخفض وهذا يجعل الجسم يعتمد على مخزونه من السكر لحرقه وتأمين الحريرات اللازمة للاستقلاب ، ويأتي مخزون السكر من الكبد بتفكيك مادة Glycogen وكذلك من تحطيم الدهون في النسيج الشحمي لتحويلها إلى حريرات وطاقة لازمة لفعاليات الجسم وهذا بالتالي ينتج عنه نقص معتدل في وزن الجسم ، ولهذا يعتبر الصيام فائدة كبيرة لدى زائدي الوزن ، وحتى لمرضى السكري المعتدل غير المعتمدين على الأنسولين "Stable non-insulin diabetes " . - نقص مستوى كولسترول الدم: أثبتت دراسات عديدة انخفاض مستوى الكولسترول في الدم أثناء الصيام وانخفاض نسبة ترسبه على جدران الشرايين الدموية ، وهذا بدوره يقلل من الجلطات القلبية والدماغية ويجنب ارتفاع الضغط الدموي . ونقص شحوم الدم يساعد بدوره على التقليل من حصيات المرارة والطرق الصفراوية . قال-صلى الله عليه وسلم-: " صوموا تصحّوا ".- استراحة للجهاز الكلوي : بينت بعض الدراسات أن عدم تناول الماء لحوالي 10-12 ساعة ليس بالضرورة سيئ بل هو مفيد في كثير من الأحيان ، فتركيز سوائل الجسم تزداد محدثة تجفافا خفيفا يحتمله الجسم لوجود كفاية من مخزون السوائل فيه ، وطالما أن الشخص لا يشكو من حصيات كلوية فإن هذا يعطي الكليتين استراحة مؤقتة للتخلص من الفضلات، ومع ذلك فالسنة النبوية تقتضي بتأخير السحور والتعجيل في الفطور مما يقلل الفترة الزمنية للتجفاف قدر الامكان . ونقص السوائل يؤدي بدوره لنقص خفيف بضغط الدم يحتمله الشخص العادي ويستفيد منه من يشكو ارتفاع الضغط الدموي .- فوائد تربوية ونفسية: يفيد رمضان في كبح جماح النفس وتربيتها بترك بعض العادات السيئة وخاصة عندما يضطر المدخن لترك التدخين ولو مؤقتا على أمل تركه نهائيا ، وكذلك عادة شرب القهوة والشاي بكثرة . وفوائد رمضان النفسية كثيرة ، فالصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية والفكرية ويحاول الابتعاد عما يعكر صفو الصيام من محرمات ومنغصات ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة مما ينعكس إيجابا على المجتمع عموما. قال-صلى الله عليه وسلم-: " الصيام جُنّة ، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وان امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم " . وقد أثبتت دراسات عديدة انخفاض نسبة الجريمة بوضوح في البلاد الإسلامية خلال شهر رمضان.وكلمة أخيرة بخصوص من يعانون مرضا متقدما سواء أكان سكري شديدا أو نقص تروية قلبية أو حصيات كلوية حادة ، فهم مستثنون من صيام رمضان ولهم أن يأخذوا بالرخصة الشرعية ، قال تعالى :".. فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"المراجع:
1. A. Cott : Fasting is a way of life . New York, 1977.2. F. Azizi et al. : Evaluation of certain hormones and blood constituents during Ramadan . Nov.1987.3. S. Athar . Fasting for medical patients. Islamic Horizon. May 1985.4. S. Athar. Medical aspect of islamic fasting. 1998.5. J. El-Ati. Increased fat oxidation during Ramadan fasting in healthy women. Am J Clin Nutr . Aug 1995.6. Islamic Medicine site , by : Dr. Sharif Kaf Al-Ghazal ,http://www.welcome.to/islamic.medicine
المصدر

عشر وسائل لإستقبال رمضان وعشر حوافز لإستغلاله


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : هذه رسالة موجهة لكل مسلم أدرك رمضان وهو في صحة وعافية ، لكي يستغله في طاعة الله تعالى ، وحاولت أن تكون هذه الرسالة في وسائل وحوافز إيمانية تبعث في نفس المؤمن الهمة ، والحماس في عبادة الله تعالى في هذا الشهر الكريم ، فكانت بعنوان " عشر وسائل لاستقبال رمضان وعشرة حوافز لاستغلاله " فأسأل الله تعالى التوفيق والسداد وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .كيف نستقبل رمضان ؟س: ما هي الطرق السليمة لاستقبال هذا الشهر الكريم ؟ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات ، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها ، قال الله تعالى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [المطففين :26]فاحرص أخي المسلم على استقبال رمضان بالطرق السليمة التالية : الطريقة الأولى : الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية ، حتى تنشط في عبادة الله تعالى ، من صيام وقيام وذكر ، فقد روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال « اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان » رواه أحمد والطبراني – لطائف المعارف .وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه أن يتقبله منهم .فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل : ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ربي وربك الله ) رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان .الطريقة الثانية : الحمد والشكر على بلوغه : قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار ( اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة ، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى أو يثني بما هو أهله وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة ، والعبادة فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة عظيمة ، تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها ، فالحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .الطريقة الثالثة : الفرح والإبتهاج ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول : « جاءكم شهر رمضان ، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه ، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم ... الحديث » أخرجه أحمد .وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه ، وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات وتنزل الرحمات .الطريقة الرابعة : العزم والتخطيط المسبق للإستفادة من رمضان ، الكثيرون من الناس وللأسف الشديد حتى الملتزمين بهذا الدين يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا ، ولكن قليلون هم الذين يخططون لأمور الآخرة ، وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة ، ونسيان أو تناسي أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر ، ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة ، التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات ، فيضع المسلم له برنامجاً عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى ، وهذه الرسالة التي بين يديك تساعدك على اغتنام رمضان في طاعة الله تعالى إن شاء الله تعالى . الطريقة الخامسة : عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة ، فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير ، قال الله عز وجل { فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم } [محمد:21]الطريقة السادسة : العلم والفقه بأحكام رمضان ، فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم ، ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد ، ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه ، ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى { فاسألو أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [الأنبياء:7] الطريقة السابعة : علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات ، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب ، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها ، فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب ؟قال الله تعالى { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [النور:31]الطريقة الثامنة : التهيئة النفسية والروحية من خلال القراءة والإطلاع على الكتب والرسائل ، وسماع الأشرطة الإسلامية من المحاضرات والدروس التي تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهئ نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر فيقول في آخر يوم من شعبان : « جاءكم شهر رمضان ... الحديث » أخرجه أحمد والنسائي – لطائف المعارف .الطريقة التاسعة : الإعداد الجيد للدعوة إلى الله فيه ، من خلال : 1- تحضير بعض الكلمات والتوجيهات تحضيراً جيداً لإلقائها في مسجد الحي .2- توزيع الكتيبات والرسائل الوعظية والفقهية المتعلقة برمضان على المصلين وأهل الحي .3- إعداد – هدية رمضانية – وبإمكانك أن تستخدم في ذلك الظرف بأن تضع فيه شريطين وكتيب ، وتكتب عليه هدية رمضان .4- التذكير بالفقراء والمساكين ، وبذل الصدقات والزكاة لهم .الطريقة العاشرة : نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع :أ‌- الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة .ب‌- الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر .ت‌- مع الوالدين والأقارب والأرحام ، والزوجة والأولاد بالبر والصلة .ث‌- مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبداً صالحاً ونافعاً ، قال صلى الله عليه وسلم « أفضل الناس أنفعهم للناس »هكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر ، واستقبال المريض للطبيب المداوي ، واستقبال الحبيب للغائب المنتظر .فاللهم بلغنا رمضان وتقبله منا إن أنت السميع العليم .كيف تتحمس لاستغلال رمضان ؟لكي تتحمس لاستغلال رمضان في الطاعات اتبع التعليمات التالية : 1- الإخلاص لله في الصيام :الإخلاص لله تعالى هو روح الطاعات ، ومفتاح لقبول الباقيات الصالحات ، وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات ، وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن ، قال ابن القيم رحمه الله : وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وتعالى وإعانته ...وقد أمرنا الله جل جلاله بإخلاص العمل له وحده دون سواه فقال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } [البينة:5]فإذا علم الصائم أن الإخلاص في الصيام سبب لمعونة الله وتوفيقه هذا مما يحفز المؤمن لاستغلال رمضان في طاعة الرحمن سبحانه وتعالى ( صيام + إخلاص لله ) = حماس وتحفيز .2- معرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم :وخصلة أخى تدعوك للتحمس لاستغلال رمضان في طاعة الرحمن ألا وهي : معرفة أن الرسو ل صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه فيقول : « جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه .. الحديث » وهذا يدل على عظم استغلال رمضان في الطاعة والعبادة ، لذا بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام ليستعدوا لاغتنامه .3- استشعار الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين ومنها :أ‌- أن أجر الصائم عظيم لا يعلمه إلا الله عز وجل « كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به »ب‌- من صام يوماً في سبيل الله يبعد الله عنه النار سبعين خريفاً فكيف بمن صام الشهر كاملاً .ت‌- الصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتى يدخل الجنة .ث‌- في الجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون .ج‌- صيام رمضان يغفر جميع ما تقدم من الذنوبح‌- في رمضان تفتح أبوان الجنة وتغلق أبواب النيران خ‌- يستجاب دعاء الصائم في رمضان .اخي هلا أدركت الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين فما عليك إلا أن تشمر عن ساعد الجد وتعمل بهمة ونشاط لتكون أحد الفائزين بتلك الجوائز العظيمة .4- معرفة أن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات :وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور ، ومما يزيدك تحمساً لاستغلال رمضان أن تعلم أن رسولك العظيم صلى الله عليه وسلم كان يكثر من أنواع العبادة بما لا يخص غيره من الشهور الأخرى ، فهل لك في رسول الله قدوة وأسوة ؟ والله تعالى يقول { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } [الأحزاب:21]فتُكثر من أنواع الطاعات في هذا الشهر .5- إدراك المسلم البركة في هذا الشهر الكريم ، ومن ملامح هذه البركة حتى تزيدك حماساً : أ-البركة في المشاعر الإيمانية : ترى المؤمن في هذا الشهر قوي الإيمان حي القلب ، دائم التفكر ، سريع التذكر ، إن هذا الأمر محسوس لانزاع فيه أنه بعض عطاء الله تعالى للصائم .ب- البركة في القوة الجسدية : فأنت أخي الصائم رغم ترك الطعام والشراب ، كأنما ازدادت قوتك وعظم تحملك على احتمال الشدائد ، ومن ناحية أخرى يبارك الله لك في قوتك فتؤدي الصلوات المفروضة ، ورواتبها المسنونة ، وبقية العبادات رغم الجوع والعطش .ج- البركة في الأوقات : تأمل ما يحصل من بركة الوقت بحيث تعمل في اليوم والليلة من الأعمال ما يضيق عنه الأسبوع كله في غير رمضان .فاغتنم بركة رمضان وأضف إليها بركة القرآن ، واحرص على أن يكون ذلك عوناً لك على طاعة الرحمن ، ولزوم الإستقامة في كل زمان ومكان .وهذا مما يزيدك تحمساً وتحفزاً على استغلال بركة هذا الشهر .6- ومما يعين على التحمس لإستغلال هذا الشهر الفضيل في الطاعة :استحضار خصائص شهر رمضان .أخي الحبيب خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها : أ - خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ب - تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا .ج - يزين الله في كل يوم جنته ويقول « يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك »ح - تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار خ - فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله د - يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان ر - لله عتقاء من النار في آخر ليلة من رمضان7- استشعار أن الله تعالى اختص الصوم لنفسه من بين سائر الأعمال :ومزية عظيمة يحصل عليها مستغل رمضان في الخير ، تجعل المرء لا يفرط في رمضان ألا وهي : أن الله تعالى اختص قدر الثواب والجزاء للصائم لنفسه من بين سائر الأعمال كما في الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : « كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ... » إن هذا الإختصاص مما يزيد المؤمن حماساً لاستغلال هذا الفضل العظيم .8- معرفة مدى اجتهاد الصحابة الكرام والسلف الصالح في الطاعة في هذا الشهر الكريم :لقد أدرك الصحابة الأبرار فضل شهر رمضان عند الله تعالى فاجتهدوا في العبادة ، فكانوا يحيون لياليه بالقيام و وتلاوة القرآن ، كانوا يتعادون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام ، وكانوايجاهدون أعداء الله في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله .9- معرفة أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة : وخصلة أخرى تزيدك تعلقاً بالصيام وحرصاً عليه هي أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة عند الله تعالى ، ويكون سبباً لهدم الذنب عنه ، فنعم القرين ، قرين يشفع لك في أحلك المواقف وأصعبها ، قال صلى الله عليه وسلم « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة : يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان » رواه أحمد في المسند .10 – معرفة أن رمضان شهر القرآن وأنه شهر الصبر : وأن صيامه وقيامه سبب لمغفرة الذنوب ، وأن الصيام علاج لكثير من المشكلات الإجتماعية ، والنفسية ، والجنسية ، والصحية .فمعرفة كل هذه الخصال الدنيوية والأخروية للصائم مما يحفز على استغلاله والمحافظة عليه . هذه بعض الحوافز التي تعين المؤمن على استغلال مواسم الطاعات ، وشهر الرحمات والبركات ، فإياك والتفريط في المواسم فتندم حيث لاينفع الندم ، قال الله تعالى { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } [الإسراء:21]نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .المراجع : كتب ورسائل تتعلق بشهر رمضان أخوكم : خالد عبد الرحمن الدرويش الإحساء – الهفوف ص.ب 5087دار القاسم : المملكة العربية السعودية – ص ب 6373 الرياض 11442هاتف : 4092000 / ناسوخ : 4033150البريد الإلكتروني : sales@dar-alqassem.comالموقع على الإنترنت : www.dar-alqassem.com
المصدر :
دار القاسم-->

تعريب وتطوير مدونة التعليم الالكترونى